سلسلة مقالات: عظمة الرحمن في مخلوقاته
* هندسة الرحمن تتجلى عظمتها في روعة مخلوقاته وتكامل أدائها فيما قدره لها, وبتصميمها العبقري الخالي من النقائص , مع إلتزامها التام بالحفاظ على (التوازن الرباني الدقيق) بين كل العناصر البيئية في الكون الفسيح.
* و (إن يشاء الله) سوف نستعرض في حلقات هذه السلسلة من المقالات, أمثلة من إبداعات الرحمن في جميع مخلوقاته الرائعه, ليتضح لنا مدي تفرد القدرة الإلاهية بإبداعاتها الربانية... والتي يستحيل أن تطاولها أي هندسة بشريه.
------------------------------------------------
28- عظمة الرحمن في نعمة النسيان
فقدان المعلومات من الذاكرة (النسيان)
ما هو النسيان؟
- النسيان هو عجز مؤقت أو دائم في استرداد جزء من المعلومات من الذاكرة التي سبق تسجيلها في الدماغ
- وهو يحدث لنا جميعا يوميا, مثل نسيان أين وضعت قلمك، إو الأتصال بأحد الأصدقاء. وأثناء البحث عن القلم الضائع، يبدو أن المعلومات حول مكان وجوده ممُسوح تماما من الذاكرة. مع إنها قد تكون متواجدة في (مكان ما من الذاكرة)، لكننا لا نستطيع استعادتها منه لتذكرها.
- بينما يكون النسيان أحيانا إراديا, عندما نحاول نسيان حدث لا نريد أن نتذكره.
وفقدان المعلومات قد يكون سريعًا جدًا بعد لحظات من وصولها للمخ، لكن عادة يزداد معدل النسيان بمرور وقت وصولها للمخ. لكن مع ذلك فإن المعلومات التي تعلمناها وتدربنا عليها جيداً منذ الصغر، (مثل أسماء الأشياء ومفردات أي لغة أجنبية)، تقاوم النسيان لمدة طويله بعد إكتسابها منذ طفولتنا المبكرة.
كما أن معدل ومدى تذكر المعلومات (أو نسيانها) يختلف من إنسان لأخر, وهي نعمة يرزق الرحمن كل منا بنصيب منها.
* { إنا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ } (القمر - 49)
أول حالة نسيان في تاريخ البشر
ذكر الله تعالى في قرآنه الكريم عن آدم (عليه السلام) :
{ وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آدم مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ ... وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا } (طه – 115)
حيث كان خالقه قد أمره بأن يسكن الجنة مع وزوجته، وأن يأكلا منها كيفما شاءا, لكن ألا يقربا شجرة فيها بذاتها, وحذره من وساوس الشيطان وعداوته المؤكدة لأدم أبو البشر, لكن الشيطان أنساه أمر الرحمن, وأغراه بوساوسه ليهبط به إلى المعصية، بينما كان تذكره لأمر ربه بقوة وعزيمة كافية لتقوده للرشد والصلاح.
لذلك فإن النسيان فطرة في الإنسان, وقد يكون نعمه ترتجى, لحماية دماغه من التلف عند تراكم الأحداث.
لذلك يقال, أنه ما سمي الإنسان إنساناً.... إلا لكثرة نسيانه.
النسيان نعمة تقاوم الأحزان والحسرة
النسيان عامة يعتبر صفة نقص لقدرات الإنسان, مع إنه أحيانا يكون نعمة هامة من خالقه.
والحكمة في حدوث النسيان تكون إما خفية أو ظاهرة. لولاه ما انتهت حالات الحسرة أو الحزن أو التألم من مصيبة ما، ولا أمكنه أن ينسى حقداً شغل صدره ضد شخص ما، وبالتالي تفقده سيطرة التذكر التفاعل مع المتع الأخرى بالحياه, وتنغص عليه أيامه مع توالي تراكم آلآلام والأحزان.
لذلك فنعمة النسيان تساعد الإنسان في التغلب على مصاعب الحياة, وتتيج له فرصة التقدم نحو البهجة بمستقبل أيامه, وبدون التجمد عند اللحظات الأليمة التي مرت به.
موقف الإسلام من حالات النسيان
لما كان النسيان من صفات خلق بني آدم، فلقد رفع الله عن المسلمين المؤاخذة عليه، وقال الرسول (ص ل ع م):
«رفع عن أمتي الخطأ والنسيان ... وما استكرهوا عليه».
وًلكثرة الضغوط في حياة البشر، فإن النسيان (بإيجابياته وسلبياته), وسيلة مقاومة خارجةعن إرادته, وتكون من مظاهر الرحمة الإلهية في حالات المصائب والأوجاع والشدائد والابتلاءات.
والإنسان لو لم ينس المصائب لكانت حياته مظلمة بكل تفاصيلها. لذلك يطلب السماح من خالقه عند تقصيره بالنسيان, وذكر الله في قرآنه أستغفارنا ومسامحتنا عما حدث بدون إرادتنا,
{ ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا } (البقرة- 286).
وقد الهم رسوله (ونحن من بعده), بطريقه العودة للصواب بعد حالات التقصير أو النسيان اللا إرادي, لكن علينا أن لا ننسى أبدا فضل ربنا علينا, أو نقصر فيما إفترضه علينا, ولو الهتنا الحياه عن حقوق خالقنا علينا, فالواحب ان نعود له فورا,
{ واذكر ربك إذا نسيت } (الكهف – 24)
ولقد رزقنا الرحمن نعمة النسيان لتكون أداة تنقية لما يواجهنا في حياتنا من منغصات مختلفة, ولتضاعف من تأثير تغير عنصري الزمان والمكان, فنتخلص من تأثير حوادث مؤلمة مررنا بها, حتى لا تؤثر في حاضرنا ولا توجه عقلنا الباطن.
أهمية نعمتي النسيان والتمسك بالأمل
النسيان بالفعل نعمة من الله, ليستطيع الإنسان أن يتعدى بها حالات همومه وأحزانه, وينسى الجراح التي أحدثتها نوائب الدنيا ومنغصاتها, ليستمر يكابد مصاعب الحياة (بنعمة الأمل) في تحسن الأحوال, وبذلك تندمل جراحه تدريجيا وتهون عليه خسائره, ليتهيأ لتلقي الخير من هبات خالقه, بينما تتضائل الأحزان والهموم, لأن كل مصيبة تصيبنا فيما عدا الدين تهون.
وبعدها تمر الأيام والشهور والسنوات, محملة بأحداث أفضل مع إستمرار الحياه, حتى يصبح حزن الماضي مجرد ذكرى عابره بما كان فيها من بلاء أو ابتلاء.
بل أن بعض الحوادث المؤلمة سابقا قد تتحول لذكريات مفيدة, أو لنقاط إيجابية نستخرج منها الدروس والعبر, لتصبح حوافز ودوافع لنعيش مستقبلا أفضل، وبذلك تتحول سلبيات الحياة إلى إيجابيات.
فكم من شخص تعرض لحادثة مؤلمة عاد بعدها مبدعاً في حياته, بل ويكون إبداعه مرتبط بتلك الحادثة التي مر بها, فسبحان الله الذي يسر ذلك لبعض خلقه.
* { ... فتبارك الله أحسن الخالقين. } (المؤمنون – 14) .
ومع ذلك كله فإن النسيان قد يتحول أحياناً إلى نقمة ,إذا نسي المرء ربه أو نسي فرائض خالقه عليه, أو نسي أيادي الآخرين الذين أعانوه في حياته, فيصبح جاحدا لمعينيه, ومنكرا لنعم خالقه.
أسباب حدوث النسيان
التشويش والتداخل بين المعلومات 
النسيان مع مرور الزمنتوجد عدة إحتمالات علمية قد يسبب إحداها النسيان مباشرة, أو تتضافر مع بعضها لحدوث لذلك.
1- حدوث التداخل بين المعلومات (التشويش)
يكون نتيجة لتقارب حدوث الذكريات مع بعضها, وكلما كانت الأحداث متماثلة ومتكرره يكون التداخل بينها أكثر، مثل تكرار نفس الوقائع يوميا, فننسي معظم تفاصيلها. وقد يحدث التداخل بين المعلومات الحديثة مع القديمة المحفوظة في ذهننا, فتتغير الذكريات الإضافية الجديدة.
2- تلاشي الذاكرة بمرور الزمن
- عند حفظ حدث جديد بالذاكرة, تحدث تغيرات (فيزيائية وكيميائية) في الخلايا العصبية بالدماغ, لتحقظ الذاكرة عليها أولا بالذاكرة (قصيرة الأمد) وتبقى لعدة ثوانٍ فقط, فإذ تكررت إجراءات حقظها بجهد إضافي تتحول للحفظ بالذكرة طويلة الأمد, أما إذا أهمل تذكرها أو مراجعتها, فإنها تتلاشى تدريجيا بالنسيان حتى تختفي تماما.
لكن قد يحدث إن معلومة خاصة سريعة ولم نكرر تذكرها, لكنها حفظت بظروف تركيز عالي, فأنها تظل محفوظة طويلا في الذاكرة (طويلة الأمد)، وتبقى لوقت أطول.
3- صعوبة إستعادة معلومات من الذاكرة
عندما ننسى مكان وضعنا لشيء بعد إستعماله (مفاتيح السيارة مثلا) , فقد يحدث فشل التذكر لعدم وجود تركيز كاف منا عند وضعه, أو لعدم وجود رابط ما يذكرنا بالمكان (مثل الحفظ بمكان خاص), عندها تكون المعلومة محفوظة لدينا, لكن حفظها غير كاف لإنجاح تذكرها. ولذلك فبعد عثورنا عليها بأي بطريقة, نفاجأ بتذكر بعض تفاصيل وضعنا لها في ذلك المكان.
4- تعمد الإنسان لتناسي الحدث من الذاكره
عندما يصر الإنسان على عدم تذكر حدث ما (وقد يكون مؤلما أو محزنا له), فأنه يتجنب تذكر أحداثه, ويفضل نسيانه,
فيقل وعينا به تدريجيا, حتى ينمحي من ذاكرتنا, ليمكننا مواصلة حياتنا بعيدا عن المنغصات.
* لكنه بصفة عامة,
ما يزال فهمنا للكثير من طبيعة عمل الذاكرة البشرية، وفسيولوجيه (التذكر والنسيان) محدود نسبيا.
أسباب كثرة النسيان
الإرهاق الذهني وقلة ساعات النوم* توجد مسببات عديده لتزايد حالات النسيان عند البشر, ومن أهمها :
1- التقدم في السن, لأن حدوث النسيان ظاهرة طبيعية في البشر, تبدأ ثم تتزايد غالبا من بعد الوصول لقمة البنيان الجسدي للإنسان (بعمر حوالي 40 سنه), وأحيانا قبل ذلك. وذلك متعلق ببدء تناقص التروية الدموية للمخ من بعد ذلك العمر.
لكن, مع ذلك, توجد حالات كثيرة لبشر, أراد الخالق لهم أن يبلغوا أعمارا كبيرة, بدون أن تضعف ذاكرتهم بالنسيان الواضح.
* { هَذَا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونِه... } ( لقمان - 11 )
2- الإرهاق الذهني, وعدم كفاية ساعات النوم اليومية.
3- إدمان الكحوليات, وقد يكون تأثيرها وقتي عند المدمن عقب التناول فقط, أو تصبح مزمنه.
4- تأثير بعض الأدوية العلاجية, مثل مضادات الاكتئاب وعلاجات السرطان.
5- خلال الإصابة ببعض الأمراض, مثل الصداع النصفي والأمراض العصبية وقصور الغدة الدرقية.
6- بعض الحالات النفسية, مثل الاكتئاب الحاد والمزمن, وحالات الحزن المستمر.
طرق تحسين الذاكرة ومقاومة النسيان السريع
عملية حفظ المعلومات بالذاكرة تتم أساسا في الفصين (الصدغي والحبهي) بالدماغ، مع مشاركة أماكن أخري بالمخ في بعض حالات التذكر, مثل (منطقة الحصين) خلال الأحوال العاطفيَّة أو الانفعالية .
ويمكننا تحسين قدراتنا على حفظ الأحداث, مع سهولة تذكرها بالوسائل التاليه :
- كتابة المعلومات سريعا بالقلم والورقة, تثبت المعلومة في ذاكرة الدماغ, كما لتكون مرجعا لها فيما بعد.
- ربط المعلومة الجديدة بمعلومة قبلها, يمكن من تذكرها بسهولة أكبر
- تكرار تلقي نفس المعلومات خلال وقت قصير, يساعد على حفظها في الذاكرة طويلة المدي.
- تبويب وترتيب مهام حياتك وأغراضك ومعلوماتك, مع ترديد ذلك على أذنك بصوت عال, يسهل حفظها وتذكرها.
- ممارسة الرياضة يوميا، يزيد تدفق الدم والأكسجين والجلوكوز بالجسم والدماغ فيحسن أدائه.
- تنظيم الحياة الاجتماعية، مع تخفيف التوتر والإكتئاب, خاصة لمن يعيش وحيدا.
- النوم الكاف يوميا (6 - 9 ساعات), حسب طبيعة الأنشطه, مع تجنب النوم المتقطع.
- تننشيط المخ بالمهام الصعبة (مثل حل الكلمات المتقاطعة), يقوى قدرات التذكر.
- علاج الأمراض المزمنة, مثل السكر وإرتفاع ضغط الدم والإكتئآب والسمنة, يحسن وظائف الجسم والمخ.
- تناول الفواكه والخضروات الطازجه والحبوب الكاملة والبروتين قليل الدهن( مثل الأسماك والبقوليات والدواجن).
- عدم تناول المشروبات الكحولية وتجنب الأدوية (المنبهه والمهدئة والمنومة والمنشطة).
- اركاليون فورت دواء منشط للذاكرة والتركيز للطلاب
- أغذية تساعد على التركيز وتنمي الذكاء للأطفال
- اكتب حوار بين العقل البشري والحاسوب
- إيجابيات وسلبيات لعبة ببجي
- تأثير الكحول على الذاكرة
---------------------------------------------
سلسلة مقالات: عظمة الرحمن في مخلوقاته
3- هندسة صمامات القلب البشري والصناعي
5- هندسة الإخصاب وبدء حمل المرأة
إعداد/ د. عبد المنعم وهبي
أستاذ بالأكاديميه الصحية بالسعودية سابقًا
ليصلك كل ما هو جديد ومفيد وصحي برجاء الإعجاب بصفحتنا على الـ FaceBook
