سلسلة مقالات: حياة محمد ﷺ الإنسان & الرسول
إعداد/ د.عبد المنعم وهبي
عظمة شخصية الرسول ﷺ كإنسان تجلت في كل
أخلاقياته وتصرفاته خلال 40 سنه قضاها بين قومه
في مكة - قبل البعثة الربانية, ولقد شهد له أهله جميعا
خلالها بانه لا يكذب مطلقا... ولا يقسم بأي من
أصنامهم, ويحافظ على كل حق لغيره - إذا أئتمنه
أحدهم على شيء لديه, لذلك لقبوه (الصادق الأمين).
** و(بمشيئة الرحمن) سوف نستعرض في حلقات هذه
السلسلة من المقالات البحثية عن الجانب الإنساني - الذاتي
في شخصية الرسول ﷺ خلال سيرته العطره قبل وبعد (البعثة المباركه), وكيف أن مفاتيح شخصيته المتميزه
(كإنسان أولا) متطابقة تماما مع كل القواعد الإسلامية الملزمة حتى (من قبل) نزول الوحي عليه بالقرآن العظيم,
وبه كل التكاليف الإلاهية الواجب توفرها لدى المسلمين والمؤمنين المتمسكين بفروض ربهم والمتجنبين لنواهيه.
-------------------------------------------------
1- الحياة الجاهلية بمكة - قبل مولد محمد ﷺ
طباع وأخلاق العرب في العصر الجاهلي
تباينت الأخلاق عند العرب تبايناً كبيرا خلال قرون الجاهلية - قبل إنتشار الإسلام. وكانوا منذ قديم الأزل يتميز أغلبهم بسجايا وشمائل طيبة متأصلة فيهم. ثم جاء الاسلام وأيدها الرحمن في قرآنه, وكان منها اكرام الضيف والوفاء بالعهد والشجاعة والأنفة وعزة النفس والحلم واحترام النساء، ومراعاة حرمة البيوت.
- (وَيُؤْثِرُونَ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ) (الحشر – 9)
- «والموفون بعهدهم إذا عاهدوا» (البقرة – 177)
- «لا تدخلوا بيوتاً غير بيوتكم حتى تستأنسوا وتسلموا على أهلها» (النور – 27)
- كما فشت فيهم خلال الجاهلية أخلاق تنكرها الفطرة الإنسانية السليمة، مثل غلظة الطباع ورفع الصوت في الحديث والفحش في هجاء غيرهم والمبالغة في التفاخر بأنفسهم وأبائهم (حتى على مقابرهم) مع الزهو الزائد بالنفس والأهل وإدمانهم لشرب الخمر ولعب الميسر وعادة وأد البنات, والإغارة على الغير وسلب ممتلكاتهم.
- «ألهاكم التكاثر (1) حتى زرتم المقابر )» (التكاثر- 2)
- «يا أيها الذين امنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون» (المائدة – 90)
- «يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبى ولا تجهروا له بالقول كجهر بعضكم لبعض أن تحبط أعمالكم وأنتم لا تشعرون» (الحجرات – 2)
- ((قالوا بل وجدنا آباءنا كذلك يفعلون)) (الشعراء – 74)
- «وإذا بُشر أحدهم بالأنثى ظل وجهه مسودا وهو كظيم (58) يتوارى من القوم من سوء ما بُشر به أيمسكه على هونٍ أم يدسه في التراب ألا ساء ما يحكمون» (النحل – 59)
نشأة مكة وتطورها
بدأت تباشير إستيطان مكة عندما سمحت (السيدة هاجر) لقبيلة جرهم بالإقامة بقربها مع إبنها إسماعيل بن إيراهيم (عليهما السلام), وأن يشاركوهما الإنتفاع بماء بئر زمزم.
بعدها تربى إبنها إسماعيل وسط جيرانهم العرب, وتعلم اللغة العربية, ثم لما إشتد عوده ساعد أبيه (النبي إبراهيم) في رفع قواعد (بيت الله الحرام). وبعدها تزوج من جرهم,
- وبمرور الزمن تزايدت أعداد المقيمين حول بيت الله وزمزم وتناسلوا, حتى صارت مكة بلدة صغيرة تقع في (واد جاف) وتحيط بها الجبال وشعابها من كل جانب, حتى صارت أحياء متقاربة, وفي القلب منها بيت الله الحرام, وتحيط به بيوت (قبيلة قريش), وهم من أهل الحرم الذين يتميزون على كل سكان مكه برعاية بيت الله, وذلك أكسبهم مكانة سامية بين كل قبائل العرب في صحاريهم, وأصبح لهم إتفاقيات تجارية معهم جميعا, فلا يتعدى أحد مطلقا على قوافل تجاراتهم (رحلات الشتاء والصيف), كما يقصدونهم في مكة أفرادا وقوافل خلال مواسم الحج والعمرة, لأداء المناسك وللتجارة.
- ولما صار جد محمد ﷺ (قصي) كبيرا لقبيلة قريش, تولى الرئاسة الدينية للحج ورعاية البيت الحرام، وجمع في يده كل المهام الكبرى بمكه, وتولي بنفسه رئاسة دار الندوة وقيادة اللواء في الحرب وحجابة البيت ورفادة الحجاج وسقايتهم وسدانة الكعبة وحفظ مفاتيحها.
- وبعد وفاته توزعت تلك المهام بين كبار بطون قريش, فتولى إبنه (عبد مناف بن قصي) الرفادة والسقاية، ومن بعده ابنه هاشم، ثم (في حياة محمد ﷺ) تولاها جده عبد المطلب ثم عمه أبو طالب، ومن بعده عمه العباس (وخلال عهد العباس تم القتح الإسلامي لمكة).
- ويقدر الباحثون أن عدد سكان مكة على عهد الرسول (عام 600 م) بحوالي 5,000 نسمة, وارتفع بعد الفتح الإسلامي حتى بلغ في عهد الدولة الأموية 80,000 نسمة تقريبا (عام 750م), ثم في القرن العشرين تضاعف عددهم كثيرا, حتى بلغ أكثر من 6 مليون نسمه عام 2020م.
أبو محمد ﷺ وأمه
- والده (عبد الله بن عبد المطلب الهاشميّ )- من قبيلة قريش، وكانت جدتُّه لأبيه (فاطمة بنت عمرو بن عائذ ) من بني مخزوم من قريش, وأنجبت لجده (عبد المطلب بن هاشم) ثلاثةً رجال (أصغرهم والد محمد ﷺ) مع خمسة من الإناث
- وأم الرسول هي (آمنة بنت وهب) ويلتقي نسبها مع زوجها (عبد الله) عند جد مشترك، وأخوال محمد ﷺ من بني زهرة، وأصلهم من يثرب. وبذلك يكون نسبٌ محمد ﷺ رفيعٌا من جهة (أخواله و أعمامه) كذلك.
إعادة حفر زمزم وفداء عبد الله بن عبد المطلب
حين أراد جد الرسول (عبد المطلب) أن يعيد إكتشاف بئر زمزم المطمورة وقتها, تحقيقاً لرؤيا حددت له مكانها بقرب باب الكعبة, قاومته قريش لأن الحفر بجوار الكعبة, ثم نازعوه على ملكية بئر زمزم بعد حفرها وعلى ما وجد فيه من حلى الذهب، ولأنه لم يكن معه نصير حينئذ إلَّا إبن واحد (الحارث)، فلقد قال لهم : لو عندي أولاد كثر لما نازعتموني. ونذر لله تعالى- إن رزقه عشرةً من الأبناء الذُّكور, أن ينحر أحدهم عند الكعبة.
- وبعد سنوات تمت له النهمة بأولاد عشرة, وحان وقت الوفاء بالنَّذر، فإقترع عبد المطلب بينهم عمن سيكون الضحية المطلوبة. وكان يحبُّ أصغرهم (عبد الله) حبّاً جمّاً، ويتمنى أن لا تخرج القرعة عليه.
- لكنَّها جائت على عبد الله. فعزم على تحقيق نذره، وأخذ ولده إلى الكعبة ليبر بنذره.
- لكنَّ النَّاس منعوه من ذلك، واقترحوا عليه اأن يقترع لدى (سادن الكعبة) بين سهم لعبد الله مع سهم لعشرة من الإبل، فإن خرجت القرعة على الإبل ذبحها وافتدى بها أبنه. ففعل كما أشاروا, لكنَّ القرعة خرجت على عبد الله.
- فزاد أبوه على سهم الأبل بعشرة أضافية عدة مرات, فكان يتكرر خروجها على إبنه, وأخذ يزيد من عدد الأبل ويكرر الإقتراع, حتَّى صارت مئةً من الإبل، عندها خرج السهم على الأبل, فعرف أنَّ هذا ما يرضي به الله، فقام بفداء ابنه (عبد الله) بمئةٍ من الإبل.
زواج والدا محمد ﷺ ونشأته يتيما بدونهما
بعدها خطب عبد المطّلب عروسا لأبنه عبد الله, من بني زهرة, وهي (آمنه بنت وهب بن عبد مناف), وبنى بها عبد الله سريعا، فحملت آمنه بمحمَّد ﷺ. وكان زوجها يعمل في التِّجارة مع قوافل قومه، وخرج بعد زواجه بشهور في قافلة إلى الشَّام، لكن في طريق عودتهم لمكة مرض بشدهً، فغادر القافلة وبقي (في يثرب) ليُمرَّض عند أخواله (من بني النَّجار). فلما وصل خبر مرضه لأبيه عبد المطلب عند عودة القافلة لمكة, فأرسل ابنه الأكبر (الحارث) ليطمئنَهّ على ابنه، فوجده قد مات و قبر في (دار النَّابغة) بيثرب.
وبعد شهور ولد محمد ﷺ (يتيم الأب)، ورعته أمه حتى نشأ صحيح الروح والبدن.
فلمَّا بلغ 6 سنواتٍ اصطحبته أمه (السيَّدة آمنة) لزيارة أخوالها في يثرب على بعيرين, ومعهما (أمِّ أيمن) خادمتها، وكذلك ليزوروا قبر أبيه هناك, إلّا أنّها مرضت خلال عودتها لمكة من يثرب, وتوفِّيت بالطريق في مكانٍ بين مكَّة ويترب يُقال له (الأبواء) ودُفنت هناك، وقامت (أمُّ أيمن) برعاية محمَّد ﷺ، وعادت به وسلمته لجده أبوطالب بمكة ليكفله, بعد ما أصبح (يتيم الأب والأم) معاً.
- لكن عناية الرحمن أحاطته، وسخّر الله له زوجة عمه أبوطالب (فاطمة بنت أسد) لتحن عليه وترعاه أفضل من أولادها, كما كان جده (عبد المطلب) يهيم به حبا ويرعاه, وكل أعمامه يقدمونه على أولادهم, إكراما لذكرى والده, وأجلالا لمكانته عند جده.
- وهكذا نشأ يتيم الأبوين طوال عمره, وكان لذلك بالغ الأثر الكبير في تربيته, وتعويده على تحمّل الصّعاب.
-----------------------------------------------
إعداد/ د. عبد المنعم وهبي
أستاذ بالأكاديميه الصحية بالسعودية سابقًا
ليصلك كل ما هو جديد ومفيد وصحي برجاء الإعجاب بصفحتنا على الـ FaceBook